د/مصطفى محمود |
يعلمنا القرآن أن الله قاهر على الزمن يستطيع أن يقبض المائة سنة عن مخلوقاته فتصير يوما. أو يمدها فتكون مائة سنة دون أن تبرح مكانها ودون أن تغير نظامها الحركي وتلك هي المعجزة التي أجراها على عزرا الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه.
ويصف القرآن القصة قائلا ..
“ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ..) (٢٥٩)-سورة البقرة.
وما حدث أن الله قبض المئة سنة عن طعام عزرا فاحتفظ بصلاحيته ولم يتلف ولم يتسنه ،وكأنما لم يمر بالنسبة له زمن بينما مد الزمان للحمار فهلك وتحلل واصبح رمة ثم أعاد الله تركيبه وبعثه حيا أمام عزرا..
وهي آيات تكشف عن سلطان الله القابض الباسط للزمان دون تقيد بنظام حركي أو مكان.
وهو نفس ما حدث لأهل الكهف الذين قبض الله عنهم الزمن فمرت بهم ثلاثمائة سنة وهم نيام لا يطرأ عليهم طارئ
“فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا” (١١-الكهف )
" وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا " (١٨- الكهف)
"وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا" ( ٢٥- الكهف)
وعندما أيقظهم الله وتكررت نفس الظاهرة..
" قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ "( ١٩- الكهف)
لأنهم خرجوا من القبض الزمني الى البسط الزمني فإختلفت امامهم المعايير واشتبه عليهم الامر ..
ثم نقرأ في القرآن في إشارة أخرى تكشف لنا سرا آخر من أسرار الزمان وترينا علاقة الخالق بالأزمنة المتعددة التي يخلقها فتصف سورة الرحمن علاقة الله بخلقه
” يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن ” (٢٩-الرحمن )
فالله مع رغم تعاليه ومفارقته بالرتبة لخلقه إلا أنه بلطفه وعنايته معهم جميعا على اختلاف وتفاوت أنظمتهم الزمنية فالكل يسأله .. أهل السموات ويومهم بألف سنة ومنهم من يمتد يومه إلى خمسين ألف سنة. وأهل الأرض ومنهم البشر ويومهم أربع وعشرون ساعة ..
ومنهم مخلوقات متناهية في الصغر في نواة الذرة يومها جزء من مئة مليون جزء من الثانية ..والكل يسأل الله ..والله معهم جميعا يستجيب لهم جميعا سواء من دق يومه إلى اللاشيء أو طال إلى أبدية لا يشغله شأن عن شأن وإنما يعين الكل ويجيب الكل في ذات الوقت وذات الآن.
{{يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }} ٢٩- الرحمن
فسبحان من لا يشغله آن عن آن ولا شأن عن شأن .
هذا كل ما في الأمر أتمنى أن يكون الدرس مفيد
تعليقات