د/مصطفى محمود |
" كل فتاة تحب أن يقال عنها أنها حلوة وساحرة وفاتنة وملكة جمال والسؤال هو: ما الجمال؟!! هل الجمال هو البودرة والاحمر والكريم والروج والكحل؟ هل لون الشعر… وطول الشعر وشكل التسريحة… ومقاس الصدر… ومحيط الوسط… وخرطة الرجلين… واستدارة الردفين؟ هل الجمال فستان وباروكة وبوستيش وشنطة وجزمة ونظارة؟ المرأة يخيل لها ذلك…
كل تفكير المرأة في شكلها… في مقاساتها الخارجية … في اللون والنقشة التي ترسمها حول العينين والحاجب والشفة.
يخيل لها أن الجمال يمكن رسمه على الوجه ويمكن تفصيله بالتحزيق و التقميط والمكواه والمشط.. وتنسى أن كل هذا طلاء ودهان… وأنه سوف يذوب ساعة أن تضع رأسها تحت الحنفية وسوف تتحول إلى وجه بلياتشو بعد أول موجة من العرق… وأنها بعد مشوار في الحر سوف تتحول الى امرأة أخرى. لأن كل ما صنعته كان ديكور من الخارج…
كل ما فعلته كان سلسلة متقنة من الأكاذيب… وعملية رائعة من التلفيق اشترك فيها العطار والصيدلي والخردواتي.
وهو تلفيق يمكن أن يكتب له الدوام… حتى الجسم ومقاساته كذبة كبيرة أخرى سرعان ما تفتضح من أول حمل فيتحول الغزال إلى حصان بلدية، وخصره إلى خصر سيدة قشطة. والوجه الجميل والتقاطيع الدقيقة الحلوة هي نوع من الجمال يفقد تأثيره مع التعود والمعاشرة. وهذا حكم الجمال الخارجي مصيره جر رجل… منحة سخية من الطبيعة للمرأة لتصطاد بها رجلا… نوع من خداع البصر …
فإذا تم المراد ووقع الصيد السمين في الفخ وعقد العقد ووقع المأذون وانتقلت العروسة المزخرفة إلى العش الموعود ومضى شهر وشهران… بدأ الديكور يقع وبدأ الطلاء يسقط والدهان يتشقق وبدأت تظهر النفس التي وراء الزواق والطلاء… ساعتها يبدو الجمال الحقيقي إذا كان هناك جمال حقيقي … والجمال الحقيقي هو جمال الشخصية ، وحلاوة السجايا… وطهارة الروح.النفس الفياضة بالرحمة و المودة و الحنان والأمومة .. هي النفس الجميلة. النفس العفيفة والعفة درجات… عفة اللسان وعفة اليد وعفة القلب وعفة الخيال… وكلها درجات جمال. والخلق الطيب الحميد. والطبع الصبور الحليم المتسامح. والفطرة الصريحة البسيطة. والروح الشفيفة الحساسة. كل هذه ملامح الجمال الحقيقي.
أي قيمة لوجه جميل وطبع قاس خوان مراوغ خبيث، وأي قيمة لمقاسات الوسط والصدر… والقلب مشحون بالطمع والدناءة. وأي قيمة للشفاه المرجان واللسان يقطر بالسم والقطران، وأي قيمة للساق الجميلة خرط المخرطة التي تمد لك بشلوت والذراع الفاتنة التي تمد لك بقبقاب. وأي قيمة لباروكة لا يوجد تحتها عقل، وأي قيمة لنهد نافر خصصته صاحبته لإرضاع العشاق لا إرضاع الأطفال وأرداف تزين للنزوات وفم فاتن لا ينطق إلا الكذب.
إذا أردت أن تحكم على جمال امرأة لا تنظر إليها بعينيك وإنما انظر إليها بعقلك لترى ماذا يختفي وراء الديكور.. وحذار أن تنظر إليها بعاطفتك أو غريزتك وإلا فإنك سوف تفقد عقلك من أول نظرة ثم يخيل إليك أنك أمام فينوس الخارجة من زبد البحر. وفي ضباب الحواس وصخب الإثارة تستحيل الرؤية وتتحول حدائق الحيوان إلى جنات مغرمين وملامح القردة إلى تقاطيع الملائكة.
المرأة كتاب عليك أن تقرأه بعقلك أولا وتتصفحه دون النظر إلى غلافه… قبل أن تحكم على مضمونه.
ذوق الناقد وليس ذوق العاشق هو الذي سوف يدلك.
ولذلك تحرص المرأة بذكائها على أن تحولك إلى عاشق أولا حتى تفقد عقلك فلا ترى الحقيقة. وأغلب الرجال لا يرون الحقيقة الا بعد فوات الأوان. والذين يرون الحقيقة يتحولون إلى فلاسفة فيعشقون الحقيقة لذاتها و ينسون المرأة… ويؤلفون الكتب في دراسة الجمال وفلسفة الجمال وينسون حكاية المرأة الجميلة.
وحتى هذا الفيلسوف لا تعدم المرأة وسيلة للضحك عليه فتقابله كل يوم وتحت إبطها كتاب.
لقد وضعت الروج المناسب للرجل المناسب ..
من كتــاب الشيطان يحكم
د. مصطفي محمود رحمه الله
تعليقات