بعد الطوفان العظيم عَمَّد سيدنا نوح عليه السلام لنشر نسله في الأرض، فمنه نسل "سام" (العرب والفرس والروم) ونسل حام ( القبط والبربر والسودان ) .. ومن نسل يافث.. الترك والصقالية ويأجوج ومأجوج ..
ذي القرنين ؟
نعم إن كان ذي القرنين تميز بشئ مُتفردًا فبكونهِ غامضاً أكثر مما ينبغي لذا سنضع بعد اسمه بالعنوان الفرعي علامة استفهام، فقد كثرت الأقاويل والأحاديث حول هويته وظلت فكرة تحديد هويته هاجسًا لدى كثير من العلماء ، فالبعض ذهب لأنه الاسكندر الأكبر، والآخر ذهب إلى أنه كورش الكبير وآخرون قالوا بأنه اخناتون المصري حتى أن بعض المُجتهدين قالوا إنه يُحتمل أن يكون مخلوقُ فضائي، بل ذهب البعض الآخر بعيدًا قائلاً إنه شخصُ يسافر عبر الأزمان ..
وهكذا أقاويل أقاويل ولا شئ ثابت ولا حتى خيط رفيع نسير فوقه وصولاً للأدلة، فقط لا شيء والأغرب من هذا كله حكايته التي كانت مناطًا لكثير من الناس يحكونها كسيرة شعبية ويتسامر بقصته العديد حول العالم ..
إذا ما كنا قد أوضحنا بأن هويته مجهولة، فما من سيرة ذاتية تسبق القصة الملحمية خاصته ليتم سردها لذا وبكل فخر نقدم لكم قصة اليوم..
ذي القرنين ويأجوج ومأجوج.. إنه ذلك اليوم الذي تنتظرون.. يوم ملحمة الملاحم.. السد الذي سيسقط وينهار وتنهار معه حضاراتنا كلها ..
يأجوج و مأجوج!.
هم بإختصار شديد قبيلتين من نسل يافث بن نوح
وقبيلة يأجوج اسمها مأخوذ من أجيج النار يعني إلتهابها بشدة حتى تصل لدرجة الأجيج.
أما قبيلة مأجوج اسمها مأخوذ من الماء الأجاج، ذلك الماء الذي يكون شديد الملوحة لدرجة الغليان، أو يُقال مأخوذ من ماج الماء يعني تقلّب واضطرب.
يبدو من الأسماء فقط مدى قوتهم ومدى بأسهم، لدرجة أن القبيلتين بالأسماء فقط جمعا بين قوى ( الماء و النار ) و من الماء خُلق كل شئ حي، ومن النار خُلق الجن!.
شكلهم يعد غريبًا للغاية، هم بشر فعلاً ولكن يبدو وأن التطورات الچينية قد نالت الكثير من هذا النسل، الذي يبدو غريبًا تمامًا عن البشر ولكنهم بشر في ذات الوقت لا جدال في ذلك..
وجوههم عريضة مستديرة مُسطحَة وغالبًا ما يمتاز وجههم بأنه سمين، عيونهم صغيرة للغاية وشعرهم اسود يشوبه الإحمرار، أقوياء للغاية أطوالهم رهيبة ويمتازون بقوة بدنية رهيبة، أعدادهم كبيرة للغاية، حيث كانوا يتمركزون بمكان يكتظ بهم، أعدادهم كبيرة لدرجة أن عدد البشر الذين تم ولادتهم بالأرض منذ البداية للنهاية سيقابل كل بشري تسعمائة وتسع وتسعين من يأجوج ومَأجوج، فبكل هذه الأعداد وكل هذه القوة والقدرة كان بديهيًا لهم أن يطغوا ويقوموا بالفساد بالأرض، لم يكن ذلك سوى من منطلق التجبر والقسوة التي خوّلت لهم خلقتهم أنهم يستطيعون ذلك ففعلوا!.
يستشري فسادهم وطُغيانهم فوجدوا أنه ليس بمنطقي أن يعملوا ويكدوا من أجل الغذاء بينما هم بامكانهم أن يلهون ويفسدون..
بالأخير لا يوجد منطق في كل شيء إن تملكوا هذه القوة فبدأوا يقومون بالغارات على القبائل التي حولهم، يبطشوا بهم ومع الوقت بدأوا ينظموا عملية النهب والبطش تلك، فبدأوا يقيمون المدد على القبائل المُجاورة، ومن ضمن تلك القبائل إحداهم التي سيتم ذكرها تاليًا، فكانوا يتركوهم عامًا وبمجرد ما يتم تعويض الخسائر من النهب السابق يتم النهب الجديد، و كل عام يقوم أهالي القبائل بالزراعة عسى أن ينشغل عنهم يأجوج و مأجوج، عساهم أن يكونوا قد يرحلون لمكانًا آخر ولكن شاءت الأقدار أن يظلوا بمكانهم وتظل تلك القبائل تُعذب هكذا!.
ذي القرنين!.
نعم تلا اسمه هذه المرة علامة تعجب و سترى معي لمَ كانت تعجب تاليًا..
في نفس الأثناء، كان هناك ملكًا صالح، تميز عن سائر الملوك و الأشخاص بالعالم بأن الله ميزه بالتمكين في الأرض (إنا مكنّا له في الأرض) بمعنى أوضح..
فقد تمكن من علوم الأرض شاملة فيزياء ورياضة وهندسة وميكانيكا كما نُعرفهم نحنُ اليوم ..
امكانيات عظيمة تجعله يفعل كما يحلو له، ولكن هذا التمكين كان مشروطًا بالصلاح الشديد، فذو القرنين لم يكن من ذوي الكرامات والمعجزات، ولم يكن نبيًا أو ولي من الأولياء، فكل ملك هي مفاتيح العلم، أتاه الله من كل شئ سبب، يتبع السبب ويسير عليه بالغًا حلولاً صحيحة فيزيده الله من علمه، كان يزحف بجيشه في شرق الارض ومغاربها يغزو ويُبرز حكمة الله في أرضه ويُقيم العدل والمساواة في كل مكان!
اتخذ من زحف جيشه كرحلة حول العالم، يبلغ منها الأدنى والبعيد، فقد بلغ مغرب الشمس ومشرقها.. وقد اختلف المفسرون والعلماء في فحوى الجملة من بلوغ ذي القرنين مشرق الشمس ومغربها .. فمهلاً كيف يبلغ مشرق الشمس و مغربها، فبأي بقعة على الأرض هناك غروب و بأي بقعة هناك شروق؟ سؤال مُحير وقد احتار الكثيرين بإجابته ولكن بالأخير الشائع انه وصل لآخر أرض معمورة آنذاك من جهة الغرب فوجد الشمس تغرب على أرض زراعية مليئة بعيون المياه، اتسم لون تلك العيون كما لو أنها عيون رمادية (فوجدها تغرب في عينٍ حمئة) والحمئة هي الرماد، فإنعكاس الطين بالأرض الزراعية على العيون المائية جعل من لونها يبدو و كأنه رمادي، فأصبح شكل الشمس كأنما تغرب في العين التي ماؤها رمادي، فوجد أهلها قومًا ظالمين، و كان أمام ذي القرنين اختيارين إما العذاب و إما يقدم فيهم الحسنى والتوعية، اختار ذي القرنين أن يقوم بتوعيتهم لما يقترفون من ضلال وباطل وبعد ذلك يواجههم بالحُجة و البرهان فمن يظلم منهم فسيتم تعذيبهم، وبدأ يُرسي العدل في القرية ويقضي على دولة الظلم، ويـُبدلها بغيرها أحسن منها، دولة تقوم على العدل والتوحيد.
بعد ذلك قرر أن يتجه للمشرق تمامًا، بالتحديد أكثر أرض ناحية الشرق معمورة بالسكان، وجد قوم غريبي الأطوار، لا يوجد بينهم وبين الشمس ساتر ولا مبانِ ولا أشجار، فقط قوم يقيمون بالصحراء، أغلب الظن أن هذه إحدى البقاع التي لا يثبت عليها بناء أبدًا، ويُقال أنها إحدى تلك البقع التي تشرق فوقها الشمس لمدة ستة شهور كلها نهار دون ليل، وقيل غير ذلك.
ما يهم إن الشمس تشرق بشكل مُعذِب طيلة النهار، كانوا يهربون منها بالإختباء في الماء من شدتها فكانت تدلف حرارتها البيوت تجعلها ناراً موقدة، وهنا امتنع القرآن عن تكملة القصة و ماذا فعل معهم ذي القرنين { كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبرا }، فالله سبحانه وتعالى وحده أعلم بما إتخذه ذي القرنين من قرارات بشأن هؤلاء، و هنا نقطة سنتطرق اليها بالنهاية..
أكمل ذي القرنين مسيرته وصولاً لقوم يعيشون بين سدين ويُقال جبلين وما بينهما هو فجوة أو ( فتحة )، يتحدثون لغة صعبة لا تكاد تكون لغة من شدة بدائيتها أو أنها كانت مُجرد همهمات. لا يُفهم منها شيء، ومع شيئًا من التركيز نرى أن القرآن الكريم لما أورد صفاتهم بأنهم لا يفقهون قولاً، فإن بالتأكيد المقصود أنهم لا يستطيعون التحدث فعلاً ..
فكلمة لا يفقهون تعني أنهم لا يُدركون، أي أنهم غير مُدركين للقول من الكلام، ويظن البعض أنهم تواصلوا مع ذي القرنين بلغة الإشارة، أهم شئ في ذلك أنهم كانوا يعلمون من هو ذي القرنين ويعلمون عن مُلكه وأنه قادر على مساعدتهم ..
بدأوا يعرضون على ذي القرنين أموالاً طائلة مقابل ان يبني سد بينهم وبين قومٍ جبارين يُقال لهم ( يأجوج ومأجوج) فوافق على مساعدتهم بالفعل بعدما رأى المصائب التي تحل بهم من نهبهم لثروات هؤلاء القوم المُستضعفين، ورفض تمامًا أي مقابل مادي منهم، لكنه أراد منهم عمالاً يساعدوه فيما يبني، وذلك لصعوبة المهمة وشدتها.
رأى ذي القرنين أن الأقوى بحالة الجبلين الذي ينسل من خلالهم يأجوج ومأجوج هو أن يبني ( ردم ) بدلاً من ( السد ) وهذا الأصح، أنه صحح لهم ما كان مطلوبًا بأنه ( ردم ) وهذا لأن الردم بناء أقوى وأكثر بقاء ..
بدأت العملية فعلاً فطلب ذي القرنين من العمال تجميع الحديد، وفعلاً جمعوه وجعلوا منه ألواح مُتَساويّة، وبـدأوا في وضع الألواح الحديدية بشكل مُتوازي بجانب بعضهم بين الجبلين ووضعوا بين هذه الألواح قطعًا من الفحم وبدأوا ينفخوا بها النار حتى تصير ألواح الحديد ساخنة حارقة، ومن ثم كان قد جمعوا أيضًا نحاس مُذاب كالسائل، وبدأوا يصبون منه فوق الحديد الساخن المُلتهب، فتفاعل النحاس مع الحديد صانعًا سدًا منيعًا وصلبًا لا يمكن تسلقه فكان أملس الملمس.
وبعد أن فرغ ذي القرنين من بناؤه، وقف وسط القوم ونظر بفخر شديد لما صنعت يداه، وقال بكل عرفان { قال هذا رحمة من ربي } ..
كل هذا ويأجوج ومأجوج في راحتهم السنوية التي يكونوا فيها مُنتظرين موسم جني الثمار حتى يعودوا للنهب والطغيان، بالتأكيد كان أمر مُفزع حينما وقع العقاب عليهم، وتم عزلهم عن العالم، ففي هذه النقطة اكتسبت فكرة "العزل" رونقها، فالشخص الفاسد يجب أن يتم عزله بعيدًا خلف الردم..
في الخيال تُبحر الأحلام لا العكس، وفي الأحلام تسمو الآمال لا العكس، وفي واقع هؤلاء القوم الذين لا يفقهون مِن القول شيئًا الخيال في وقتُ ما كان التخلص من الظلم وكان هذا حلمُ على أمل التحقق، وقد كان..
انتهي
اتمنى ان يكون الدرس مفيد لا تنسوا تشجعاتكم
تعليقات